“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
فعلها كارلوس غصن! رجل الأعمال اللبناني الرؤيوي وعملاق تحالف رينو-نيسان-وميتسوبيشي الملاحق منذ تشرين الثاني 2018 في اليابان كسر الإقامة الجبرية التي يعيشها في طوكيو بحراسة أمنية مشددة ليظهر فجأة في لبنان يوم الإثنين الفائت في طريقة هوليوودية بكل ما للكلمة من معنى. عاد “المواطن اللبناني كارلوس غصن” كما وصفه بيان للأمن العام اللبناني مرحّبا به بشكل واسع من قبل اللبنانيين، ولاقى ترحيبا مماثلا عالي الدرجة من وزارة الخارجية والمغتربين التي أصدرت بيانا أكدت فيه أن “السيد كارلوس غصن دخل الى لبنان فجر أمس بصورة شرعية حسبما أكد الأمن العام اللبناني”. أضاف البيان:” إن ظروف خروجه من اليابان والوصول الى بيروت غير معروفة منّا وكلّ كلام عنها هو شأن خاص به. يهمّ الوزارة أن تؤكد أن لبنان وجّه الى الحكومة اليابانية منذ سنة عدّة مراسلات رسمية بخصوص كارلوس غصن بقيت من دون أي جواب وقد تمّ تسليم ملف كامل عنها الى مساعد وزير الخارجية اليابانية أثناء زيارته الى بيروت قبل أيام”. وأشار البيان المذكور:” تلفت الخارجية اللبنانية الى أنه لا توجد مع اليابان أي اتفاقية للتعاون القضائي أو الاسترداد، لكن الدولتين وقعتا على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وهي المرتكز الذي تمّ اعتماده في المراسلات التي وجهها لبنان الى السلطات اليابانية. ويهم الخارجية اللبنانية أن تؤكد حرص لبنان على أفضل العلاقات مع الدولة اليابانية”.
وأصدرت المديرية العامّة للأمن العام اللبناني بيانا جاء فيه:
“كثرت في اليومين الماضيين التأويلات حول دخول المواطن اللبناني كارلوس غصن الى بيروت. هم المديرية العامة للأمن العام أن تؤكد أن المواطن المذكور دخل الى لبنان بصورة شرعية ولا توجد اية تدابير تستدعي أخذ اجراءات بحقه او تعرضه للملاحقة القانونية”.
من جهته، قال مساعد الناطق الرسمي الفرنسي مجيبا على سؤال صحافي في “الكيه دورسيه” بأن فرنسا لم تكن تعلم بمغادرة السيد غصن لليابان ولا بالظروف التي أحاطت بمغادرته”.
بالمحصلة، انشغلت وسائل الإعلام الغربية الكبرى بهذه الواقعة غير المسبوقة في تاريخ المحاكمات الدولية لرجل أعمال عالمي من وزن غصن، تمكّن من مغادرة بلد كاليابان كان فيه ضمن الإقامة الجبرية ويخضع لمحاكمات غير مفهومة المسببات ولا الخلفيات بحجة هدر مال من شركة نيسان اليابانية والتهرب الضريبي وعدم التصريح عن مداخيله كلّها، في حين وعد غصن في بيان صدر عنه فور وصوله الى بيروت بأنه سيوضح الملابسات كلها في مؤتمر صحافي يعقده في لبنان معلنا أنه لم يهرب إلا من نظام قضائي منحاز.
كارول نحّاس: سرّ الزوجة المحبة
في الكواليس المحيطة بظروف عودة غصن يشير عارفون لموقعنا الى أن زوجته كارول نحاس كانت لها اليد الطولى بمساعدته على الهرب والزوجة المقيمة في الولايات المتحدة الأميركية والممنوعة من رؤية زوجها هي الزوجة الثانية لغصن بعد ريتا قرداحي التي تكثر الأقاويل حول تعاونها مع الأجهزة اليابانية في توريط زوجها السابق لأسباب عاطفية، وهي سارعت الى كتابة تغريدة مسيئة له فور توقيفه في مطار طوكيو نهاية عام 2018 متحدثة عن طباعه التي لا يراها الناس في الإعلام.
ومن الروايات المتداولة أن كارول، هي من خططت لتهريب زوجها من اليابان بالتعاون مع جهة غير واضحة بعد، ويحلل بعض العارفين أن تكون مؤسسة أمنية عالية الجهوزية والخبرة تعمل بالتعاون مع جهاز مخابرات لدولة كبرى وقادرة على تنظيم عملية هروب نوعية من بلد صعب جدا، وهنا تكثر التحليلات حول دور فرنسي وخصوصا وان غصن هو فرنسي الجنسية ايضا وصديق شخصي للرئيس إيمانويل ماكرون، كما أن باريس لم تقتنع يوما بالأدلة التي سوّقت ضده في اليابان في مرحلة تنافس صناعي محموم بين البلدين قد يكون غصن دفع ثمنه. فضلا عن احتمال آخر هو أن تكون للمافيا اليابانية يد ما في عملية الفرار وهي من المافيات الأقوى عالميا.
وقد أوردت وسائل اعلام عدة أن طريقة هروب غصن جاءت بحيلة احياء حفلة عيد الميلاد في منزله، وبعد مغادرة الموسيقيين كان غصن يقبع في أحد الصناديق العملاقة المخصصة للآلات الموسيقة، ومنها انتقل مباشرة الى المطار في اليابان حيث انتظرته طائرة خاصة ثم الى تركيا حيث زودت الطائرة بالوقود ثم توجهت الى مطار بيروت الدولي حيث دخل غصن اليه كمواطن لبناني عادي لديه جواز سفير فرنسي وهوية لبنانية لا توجد عليه اية شبهة للملاحقة بحسب بيان الأمن العام اللبناني.
إرباك ياباني
مهما كانت الجهة التي خططت لفراره من اليابان فإن الأمر يعتبر بمثابة فضيحة مدوية للأمن الياباني. وفي لبنان سأل موقع “مصدر دبلوماسي” السفارة اليابانية في بيروت عن هذه القضية فكان الجواب:” لا تعليق”.
واليوم الأربعاء، نددت وسائل اعلام يابانية بغصن وذكرت صحيفة “طوكيو شيمبون” الليبيرالية أن تصرفات غصن جعلت من النظام القضائي الياباني “مهزلة”.
يشير عارفون بغصن، لموقعنا الى أن علاقة الحب التي تربطه بزوجته كارول كانت بمثابة انقاذ له في المحنة التي وقع فيها في نهاية عام 2018 بتهمة تبذير اموال خاصة بشركة نيسان، في حين أن القضية غامضة تتشابك فيها عوامل منافسة داخلية في نيسان بين اليابانيين وبينه، الى خلفيات سياسية واسباب كيدية لرجال الأعمال ضد بعضهم البعض. لكن عارفي غصن يؤكدون لموقع “مصدر دبلوماسي” بأنه رجل مبدع، وذو عقل خلاق وأنه إذا أراد يمكنه أن يساعد بلده في إيجاد حلول للتعثر المالي الذي وقع فيه هو الذي نجح في انتشال شركة نيسان اليابانية من فخ الإفلاس الذي كان يحوم فوقها منهيا ديونا بـ20 مليار دولار في غضون ثلاثة أعوام فحسب، حتى لقّب بـ”قاتل النفقات” لمهارته في خفض كلفة الإنتاج والتشغيل.
من هو؟
ولد كارلوس غصن في البرازيل في 9 آذار عام 1954 في مدينة بورتو فاليو، مكث في البرازيل حتى سن السادسة ثم عاد الى لبنان حيث تابع الدراسة في مدرسة الجمهور حتى المرحلة الثانوية، ثم سافر الى فرنسا حيث درس في الجامعة الفرنسية العريقة “إيكول بوليتيكنيك” كمهندس متخصص في المناجم، وبحسب المعلومات المتداولة على أكثر من موقع إلكتروني متخصص انصبت اهتماماته في مجال صناعة السيارات، حيث عمل كمدير مصنع في فرنسا، ومن ثم عمل مديرا للتطوير والأبحاث في مجال الإطارات الصناعية، ثم انتقل للعمل في شركة “ميشلين” في البرازيل كمدير للابحاث والتطوير لعمليات الشركة في اميركا الجنوبية، واستمر العمل في ميشلين لمدة 18 عاما.
عندما عمل في شركة رينو عام 1996 تم تلقيبه بـ “قاتل النفقات”
The cost killer
نظرا الى برنامج اعادة الهيكلة الصارم الذي اعتمده.
وكان آخر منصب له هناك هو رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي. لينضم بعدها الى شركة نيسان كمدير للعمليات عام 1999 واصبح رئيسا للشركة عام 2000، وتم تعيينه في منصب الرئيس التنفيذي عام 2001، كانت الشركة تعاني في بداية انضمامه لها من عجز في الميزانية وديون تبلغ 20 مليار دولار، حيث ساعد غصن في انقاذها من مشكلاتها المادية.
شغل منصب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركتي رينو-ونيسان ورئيس مجلس ادارة شركة ميتسوبيتشي وصنع منها ثاني اكبر مصنع للسيارات عالميا.
وبحسب مقال نشرته صحيفة “الغارديان” فإن غصن شكل “سوبر ستار” في اليابان حيث قلة من الأجانب تصل الى مراكز رفيعة وخصوصا في مجال الأعمال، حتى أن منتجات يابانية عدة كانت تستخدم صورته لتسويق منتجاتها.
رجل أعمال متصلّب
في 19 تشرين الثاني 2018، تم توقيف غصن بشكل مفاجئ لدى خروجه من طائرة خاصة تابعة لشركة نيسان في طوكيو عائدا من بيروت، وذلك أمام عدسات الكاميرا، ووجهت اليه تهمة اخفاء قسم من مداخيله عن السلطات المالية. وفي تقرير عنه لموقع “فرانس 24″ في 31 كانون الأول 2019 فإن منتقديه يعتبرون بأن الجشع هو الذي أسقطه مضيفا:” لكن الرجل الذي كان يتمتع بنفوذ واسع في كل مناصبه، يؤكد أنه ضحية مؤامرة دبرتها “نيسان” وخيانة”. أمضى غصن 130 يوما في السجن ورفض بشدة الإفراج عنه بكفالة
ووافق القضاء الياباني على طلب للإفراج عنه أخيرا، فمنح منذ أواخر نيسان حرية مقيدة جدا في طوكيو مع منعه من التحدث مع زوجته كارول باستثناء مرة واحدة أخيرا عبر الفيديو بحسب الوقع المذكور. تحدث غصن عن حياته الشخصية لصحيفة “نيكاي” التي تهتم بأوساط الأعمال في اليابان وقال “كان جدي لبنانيا هاجر إلى البرازيل حيث ولدت. أمضيت شبابي وسنوات دراستي الثانوية في لبنان قبل أن أسافر للدراسة في فرنسا التي اكتسبت جنسيتها”.
وتابع “عشت في الولايات المتحدة سنوات عديدة”، قبل أن يقودني عملي إلى اليابان التي يقول عنها إنها “بلد مدهش تعلمت منه الكثير وبات جزءا من هويتي”.
ويقول غصن عن تلك المرحلة “كنت حريصا على احترام تقاليد الثقافة اليابانية. خلال الاجتماع العام للمساهمين، تعلمت كيف أنحني بزاوية 30 و60 درجة. ولكنني أتيت من أجل هدف واحد: أن أجعل الشركة الخاسرة تقف مجددا على قدميها”.
وطلب المسؤول “المتصلب” الذي كان يعمل بلا كلل أن تقدم نيسان الكثير من “التضحيات” تمثلت بإغلاق خمسة مصانع وإلغاء عشرين ألف وظيفة. وبعد انتهاء “شهر العسل” مع الشركة التي “كرمته تكريم الأبطال”، بدأ “تسلطه” يثير استياء وغضب، وفقا لموظفين في المجموعة.
وتفاقم الاستياء عندما أصبح رئيسا لمجلس إدارة رينو أيضا في 2005، مسجلا بذلك سابقة في جمع منصبين، حسب نشرة فورتشن التي تضع كل سنة لائحة بأكبر 500 شركة في العالم في رقم الأعمال.
في 2017، أضاف كارلوس غصن إلى جعبته منصبا ثالثا هو رئاسة مجلس إدارة شركة ميتسوبيشي موتورز، ما كان يعني دخلا إضافيا لرجل يحصل على ملايين الدولارات سنويا. لكنه يقول إن هذا كان مجرد مكافأة منصفة لأدائه الذي جعل كبار مصنعي السيارات يتقربون منه. بحسب فرانس 24.
تحدثت زوجته السابقة ريتا قرداحي بكلام قاس عنه للصحافة اليابانية بعد طلاقهما لكن أبناءهما الأربعة يبدون إعجابا كبيرا به.
وقال ابنه في مقابلة أجريت معه أخيرا “قد يكون والدي مسؤولا قاسيا في حياته المهنية، لا يسعى إلى إرضاء الجميع ولكنه في حياته الشخصية مختلف تماما إنه رجل أمين ومخلص وبسيط جدا”.
في 2017، كتب كارلوس غصن أنه بعد هذه المسيرة الحافلة “سأقضي الوقت مع أبنائي وأحفادي. سأقوم بالتدريس وتقديم المشورة لشركات ومؤسسات ومنظمات أخرى”. وقال حينذاك “لكن الحياة تمضي في مسارات لم تكن متوقعة في بعض الأحيان”.