“مصدر دبلوماسي”:
إستقبل برنامج “الضوء الأخضر” الذي تبثه إذاعة “صوت الشعب” ويقدّمه الزميل فراس خليفة المدير العام للأمن العام اللواء عبّاس ابراهيم الذي تناول في حواره (أمس) مجمل قضايا الساعة.
هنا ملخّص عن الحلقة ومقدّمة بقلم الزميل فراس خليفة:
لا يتردّدُ المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم من القيام بأيِّ دور أو مهمّة يرى أنها تُسهِم في حماية الإستقرار الداخلي. لا يردُّ الرجُل طلباً لأحد شرط أن يكون مطلبه مُحقّاً ويعود بالفائدة على الناس. يمكنه مثلاً أن يستقبل في مكتبه وفداً من نقابة مصدّري ومستوردي الفاكهة والخضار ليعود ويستقبل بعد ذلك وفداً أمنياً رفيعاً، وقد “يطيرُ” بعدها فوراً إلى عاصمة أوروبية لمتابعة ملفٍّ حسَّاس عالق ومن ثم تجده في اليوم التالي يرعى إحتفالاً للناجحين في بلدته “كوثرية السيّاد”.
لا يملكُ الرجل مواصفات “الرجل الخارق”، لكنه يؤدّي دوره وفق القانون الذي يمنحه صلاحيات واسعة معزِّزاً ذلك بديناميّة شخصيّة لافتة. إكتسب الرجل ثقة الجميع تقريباً في الداخل كما لدى أطراف إقليمية ودولية مؤثرة في القرار السياسي اللبناني. مع ذلك يصرُّ “اللواء” على أنه لا يمارس العمل السياسي إطلاقاً. على الأرجح فإن كلاماً كهذا لا يُقنِع كثيرين في بلد يتداخل فيه كل شيء تقريباً. يوضح الرجل “أن مهمة جهاز الأمن العام هي حماية الأمن السياسي، أي جمع المعلومات لصالح الحكومة، وهو ما يختلف عن العمل السياسي المباشر”.
يُسأَلُ الرجل الذي لعب أدواراً كبيرة في ما يسمى بـ”الأمن الإستباقي” خلال السنوات الماضية عن “”طموحه السياسي”، فيقول إنه الآن “مدير عام للأمن العام ولا يفكّر إلا أن ينجح حيث هو فحسب”، مؤكداً أن “العلاقة مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري ممتازة كما مع القوى السياسية كافّة”.
وساطات على كافّة الجبهات
ولكن من أين اكتسب اللواء ابراهيم هذه “الحرفة” في الوساطات السياسية وغير السياسية حتى بدا أشبه برجل دبلوماسي بثياب رجل أمن؟ يكرّر ابراهيم إشارته إلى تجربته الطويلة التي عاشها في مؤسسة الجيش لا سيما في مديرية المخابرات إضافة إلى تجربته الغنيّة في “حماية” شخصيات سياسية ودبلوماسية كبيرة كالرئيسين الراحلين الياس الهرواي ورفيق الحريري والمبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي خلال فترة مباحثات اتفاق “الطائف”؟ يقول:”هذه المحطات علّمتني الكثير واكسبتني خبرة في الصبر والتواصل مع الجميع كما فتحت لي الآفاق مع كثر من الأطراف داخلياً ودولياً”.
تردّد اسم عباس ابراهيم في الإعلام اللبناني والعربي كثيراً خلال سنوات الحرب السورية. قام بوساطات ناجحة في ملفات تبادل المختطفين بين لبنان وسوريا والعراق وغيرها. لعب مؤخراً دوراً أساسياً في جمع “التقدمي الإشتراكي” و”التيار الوطني الحر” بعد “حرب تصريحات متبادلة”. يؤكد:”نجحنا في تنفيس الاحتقان بين الطرفين بفعل اللجان التي تم تشكيلها على الارض”. ومتى كانت آخر وساطة سياسية قمت بها؟ يقول: “أنا حريص على إعادة المياه إلى مجاريها بعد حادثة الشويفات الأليمة، وأتوقّع أن تسير المشكلة نحو خواتيم إيجابية قريباً“. ولكن هل يدخل في نطاق صلاحيات المدير العام للأمن العام أيضاً القيام بوساطة بين فريقين سياسيين؟ لا يتردد اللواء في القول: “نعم.. لأن الخلاف السياسي قد يكون سبباً في حوادث أمنية”!
دور في تسهيل ولادة الحكومة؟
في حديثه بالأمس إلى برنامج “الضوء الأخضر” عبر “صوت الشعب” ينأى اللواء إبراهيم عن ملف التأليف الحكومي، ولا يقول كلاماً يوحي بقرب ولادة الحكومة. لكنه مع ذلك يبدي استعداداً للقيام بأي دور قد يسهم في تذليل العقبات “في حال طُلِب منّي ذلك طبعاً”.
ملف النزوح الشائك
يحتلُّ ملفُّ النزوح السّوري هذه الأيام مساحة كبيرة من وقت وجهد اللواء ابراهيم كما فرق الأمن العام المتخصصة في المناطق. يرجّح اللواء أن يتجاوز عدد النازحين السوريين العائدين إلى بلادهم المئة ألف نازح مع نهاية العام الحالي. يؤكّد، في هذا السياق بأنّ المهمة التي يقوم بها “الأمن العام” هي بتكليف وتفويض رسمي من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لافتاً إلى “أننا نُنسّق العودة الجماعية والطوعية مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حتى لا يُقال إن لبنان يُجبر النازحين على العودة بطرق خارجة على القانون”. المدير العام للأمن العام وإذ يرى أن المبادرة الروسية ستعطي حافزاً إضافياً لعودة النازحين بأعداد أكبر، يلفت إلى أن “الأمن العام” يقدم تسهيلات أمنية ولوجستية وإعفاءات مالية للنازحين الذين يقيمون بصفة غير قانونية بهدف تشجيع عودتهم وتسريعها. وماذا عن الجانب السوري؟ يقول: “الأخوة في سوريا يقدمون التسهيلات والضمانات اللازمة لتشجيع العودة الطوعية للنازحين، ولم يحصل أن تمّت ملاحقة أي نازح عائد من قبل السلطات السورية”، لافتاً في الإطار ذاته إلى “أن ما يقوم به “حزب الله” وقوى سياسية أخرى يتكامل مع مهمتنا طالما أن الامور في النهاية تمر من خلال الامن العام وبالتعاون مع سلطات دمشق”.
الملف الأمني وتهديدات إسرائيل
وعن التهديدات الإسرائيلية الأخيرة للبنان والمقاومة، يقول إبراهيم “إن إسرائيل غير جاهزة لشنّ عدوان واسع على لبنان الآن”، معتبراً أن ما قام به وزير الخارجية جبران باسيل أخيرا هو “خطوة جبارة وغير مسبوقة لنفي المزاعم الاسرائيلية أمام سفراء المجتمع الدولي”. في الملفّ الأمني ، يشير اللواء ابراهيم إلى “أن هنالك عدداً كبيراً من أتباع التنظيمات الإرهابية تجري ملاحقتهم وتوقيفهم بشكل يومي بالتنسيق مع الاجهزة الأمنية الأخرى، لكن منسوب خطر قيام هؤلاء بعمليات ارهابية تراجع بنسبة كبيرة جداً قياساً بالسنوات السابقة”. ليس بعيداً عن “المسار الأمني”، لا يبدي اللواء ابراهيم خشية كبيرة من “انفجار الوضع في المخيّمات الفلسطينية” في المرحلة المقبلة، مؤكداً على ضرورة وجود مقاربة إنمائية وإنسانية للمخيمات وعدم الإكتفاء بالمقاربة الأمنية فحسب”. وينوّه ابراهيم بالتعاون المتواصل بين الجيش والقوى الأمنية اللبنانية والفصائل الفلسطينية، معتبراً “أن المجتمع الفلسطيني بطبيعته مجتمع غير قابل لإيواء الإرهاب والإرهابيين”.
مسألة توقيف ناشطين والفارق بين حرية التعبير وحرية الشتم لا تشبه صورة اللواء عباس ابراهيم الصورة المعروفة عن رجال الأمن في معظم البلاد العربية. برأيه فإن فرض هيبة الدولة شيء والتسلّط على الناس شيء آخر مختلف تماماً. “نعمل على بناء الدولة الآمنة لا الدولة البوليسيّة”. ولكن في أي خانة تضعون توقيف بعض “الناشطين” على وسائل التواصل الإجتماعي أخيرا؟ يوضح:” أن تكون حُرّاً لا يعني أن لا تحترم الأنظمة والقوانين في بلدك”. يضيف:”حرية التعبير مصانة، لكن هناك فارق بين حرية الرأي وحرية الشتائم”، لافتاً إلى انه لا يؤيّد بعض حالات التوقيف و”المنع” المتسرّعة من قبل بعض الأجهزة. لـ”صوت الشعب” مكانة خاصة لدى اللواء ابراهيم. لا يقول ذلك مجاملة في حضرتنا. الإذاعة بالنسبة له “هي جزء من تاريخي وتاريخ الكثير من اللبنانيين. كنّا نستمع إليها ونحن شباب في مقتبل العمر ونتفاعل معها وآمَلُ في مسار طويل وناجح للإذاعة التي ارتبط اسمها بالناس”.